لعلك لاحظت تعدُّد الترجمات لكتب بعينها وتفاوت جودة كل ترجمة منها، والمترجم نفسه قد يترجم النص بصياغة مختلفة إذا عُرِض عليه نفس النص بعد عدة أيام أو حتى ساعات من ترجمته للمرة الأولى؛ ويرجع ذلك إلى عدم كون الترجمة كالتجارب المعملية التي لا تتباين نتائجها باختلاف من يجريها وأوان إجرائها، إضافة لأنها ليست فنًا خالصًا يُطلَق فيه العنان لسلطان الكاتب ليفيض عليه من خياله وإبداعه، ومن هنا دعت الحاجة إلى وجود بعض الخطوات الحاكمة لجودة الترجمة ليتسنى تطبيقها للمترجمين والمراجعين كليهما، ولكن قبل أن نتطرق لتلك الخطوات علينا أن نبدأ بالسؤال الآتي: ما مقياس جودة الترجمة؟
الترجمة الجيدة هي ترجمة مُتَّسقة وخالية من الأخطاء تعكس معنى النص الأصلي بصياغة مناسبة، ولكي نحافظ على جودة ترجمتنا علينا تطبيق الخطوات الثلاثة التالية:
الخطوة الأولى: مراجعة النص للتأكد من دقة نقل المعاني
• ينصح الجميع بمراجعة النص بالكامل فور الانتهاء منه، بيد أن تلك الطريقة ليست المثلى لاكتشاف الأخطاء التي قد يقع فيها المترجم سهوًا، والأفضل مراجعة كل جملة بعد ترجمتها أولًا ثم مراجعة النص بالكامل بعد إنهاء عملية الترجمة.
• يُستَحب أن تطبع النص الأصلي والنص المترجَم عند إجراء المراجعة؛ فقدرة العين على التقاط الأخطاء المطبوعة تفوق قدرتها على اكتشاف الأخطاء على شاشة الحاسوب.
• لا تراجع عددًا كبيرًا من الجُمَل في المرة الواحدة إذ يمثِّل ذلك عبئًا على الذاكرة قصيرة المدى فلا يسعها الاحتفاظ بالتفاصيل كافة، ومن الأفضل مراجعة جملة بجملة، أو حتى تقسيم الجمل الطويلة إلى أخرى قصيرة.
• ركز في هذه المرحلة على أخطاء الترجمة والأخطاء الإملائية فحسب.
الخطوة الثانية: مراجعة النص لتقييم أسلوب الصياغة
• في هذه المرحلة ينصب تركيزك على مدى دقة اختيار بعض المصطلحات، وإجلاء الغموض الذي قد يكتنف بعض الفقرات، والتحقق من سلاسة النص، وإزالة ما قد يستعصي على الفهم.
• التحقق من التعبيرات المُستخدَمة، فقد يستخدم مترجم بعض الأساليب غير الدارجة في لغة ما والتي لا تستسيغها آذان أهل اللغة، أتذكر أن إحدى المترجمات استخدمت تعبير «قلب رأسه على عقبيه» وهو مزيج غريب من «قلبه رأسًا على عقب» و«نكص على عقبيه»، أو استخدام أحدهم تعبير "A golden heart" بدلًا من "A heart of gold".
• التأكُّد من ملاءمة النص للجمهور المُستهدَف، فترجمة قصص الأطفال تختلف عن ترجمة أدب شكسبير، وإليك هذا المثال اللطيف عن عدم التوفيق في استخدام لغة مناسبة لغرض النص، فقد كتب أحد مترجمي الشاشة على لسان الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو: أم ستصبح عجوزًا ملؤه الندم.. يتربص به ريب المنون وحيدًا!
وهذا بالتأكيد أسلوب أدبي رفيع لا يتلاءم مع ما تتسم به ترجمة الشاشة من أساليب رشيقة مختصرَة يفهمها القاصي والداني.
• عليك التحقق من الاتساق بين نفس المفردات في النص بالكامل فلا تستخدم كلمة «جرام» في بعض المواضع، بينما تستخدم «غرام» في أخرى، وهلم جرَّا.
الخطوة الثالثة: التحقق من تنسيق النص ومشاكله التقنية
• التحقق من تنسيق النص أمر لا غنى عنه قبل تسليم الملف ولا سيما في هذا العصر الذي لا يكاد يستغني فيه مترجم عن برامج الترجمة بمساعدة الحاسوب (CAT Tools)، وبما أننا نترجم من العربية وإليها فعلينا أن نحرص تمام الحرص على ما قد يطرأ على الملف من تغييرات نتيجة اختلاف طبيعة اللغات الأخرى عن لغتنا العربية.
• يجب استخدام خاصية الترجمة الزائفة Pseudo Translation عند استخدام برنامج ترادوس في الترجمة، خاصةً مع ملفات باور بوينت أو ملفات وورد التي تحتوي على العديد من الـText Boxes؛ فقد لا يقبل الملف التصدير بعد الترجمة، وفيه حالة تصديره سيختلف تنسيقه كثيرًا عن النص الأصلي.
• التأكد من نقل التواريخ والأرقام بدقة، وتساعدنا في ذلك بعض خواص التحقق من الجودة الموجودة في الـCAT Tools، أو برنامج مثل XBench، ومن النصائح التي تلقيتها في بداية مساري في الترجمة ولا أزال متمسكًا بها: عدم كتابة أي رقم في الملف! بل نقل جميع الأرقام من النص الأصلي دون كتابتها منعًا للزلل.
أختم هذا المقال بأن الترجمة علم خلافي، فما تتفق عليه قد يختلف عليه غيرك، ولا توجد ترجمة مثالية، فكل الترجمات تتباين على طيف من الصواب والخطأ، وما علينا سوى الاجتهاد، والله الموفِّق والمستعان.
Copyright © ProZ.com, 1999-2024. All rights reserved.